الشعر الأندلسي
ابن شهاب الأندلسي
لذي سلم والبان لولاك لم أهوى … ولا ازددت من سلع وجيرانه شجوى
ولولاك ما انهلت على الخد أدمعي … لتذكار ما الروحاء تحويه من أحوى
فأنت الحبيب الواجب الحب والذي … سريرة قلبي دائماً عنه لا تطوى
وأنت الذي لم أصب إلا لحسنه … ولم يَلْهُ عن ذكراه سري ولو سهوا
وحيث اتخذت القلب مثوى ومنزلا … ففتشه وانظر سيدي صحة الدعوى
أورى إذا شببت يا ظبي حاجر … بزينب أو سلمى وأنت الذي تنوى
وإني وإن نلت المنى منك نازحا … على البعد عن مغناك مولاي لا أقوى
أبى الحب إلا أن أذوب صبابة … وغصن شبابي كاد للبين أن يذوى
تحملت أثقالاً بها أطّ كاهلي … من الشوق لا يقوى على حملها رضوى
وبي بين أحناء الضلوع لواعج … تغادر في الأحشاء جمر الغضا حشوا
إلى مَ احتمالي بالنوى مضض الهوى … وحتى مَ أفلاذي بنا الجوى تشوى
ثكلت حياتي أن أقمت ولم أقُد … مطية عزمي نحو منزل من أهوى
خليلي من فهر أجيبا مناديا … إلى الفوز يدعو لا للبنى ولا علوى
وكونا لدى الترحال والحط رفقة … لنضو اشتياق يمتطي للسرى نضوا
فيا حبذا إزماعنا السير ترتمي … بنا اليعملات السهل والشقة الشجوا
بأرقالها نرمي الفجاج ونقطع الهضاب … ونطوي في سرانا بها الدوا
ونهوى بها والشوق يحدو قلوبنا … مجدين حتى نبلغ الغاية القصوى
وما الغاية القصوى سوى المنزل الذي … لحصبائه العيوق يغبط والعوا
رحاب بها القرآن والوحي نازل … وجبريل في أرجائها ينشر الألوا
بلاد بها خير البرية ضارب … سرادقة واختارها الدار والمثوى
مدينة خير المرسلين وخاتم النبيين … والهادي إلى الأقوم الأقوى
حبيب إله العرش مأمونه الذي … بغرته في الجدب تستمطر الأنوا
نبي براه الله من نور وجهه … وأوجد منه الكون جل الذي سوّى
وابرزه من خير بيت أرومة … وأطهره ذاتاً وأشرفه عزوا
لآباء مجد ينتمي ولأمّهات … عزنجيبات إلى أمّنا حوّا
وبانت لدى ميلاده ورضاعه … براهين آي لا ترد لها دعوى
ومنذ نشأ لم يصب قط ولم يزغ … ولم يأت محظوراً ولم يحضر اللهوا
إلى أن أتاه الوحي بالبعثة التي … برحمتها عم الحضارة والبدوا
فأضحت به الأكوان تزهو وتزدهي … ولا بدع أن تاهت سروراً ولا غروا
وأسرى به الرحمن من بطن مكة … إلى القدس يختال البراق به زهوا
فقدمه الرسل الكرام وهل ترى … لبكر العلا غير ابن آمنة كفوا
وزج به والروح يخدمه إلى … طباق السما والحجب من دونه تطوى
إلى الملأ الأعلى إلى الحضرة التي … بها ربه ناجاه يا لك من نجوى
فأولاه ما أولاه فضلاً ومنّة … وأشهده بالعين ما جل أن يروى
وفي النزلة الأخرى تجلى إلهه … لدى سدرة من دونهما جنة المأوى
فما كان أزهى ليلة قد سرى بها … وعاد ولما تبد من فجرها الأضوا
فأكرم بمن أضحى بمكة داعيا … وأمسى إلى عرش المهيمن مدعوا
أتى وظلام الشرك مرخ سدوله … وبالناس عن نهج الرشاد عمى أروى
فما زال يدعوهم بحكمة ربه … إلى اليمن والإيمان والبر والتقوى
وأصبح يتلو سيد الكتب بينهم … فيا لك من تال ويا لك متلوا
فأعجز ارباب البيان بديعه … وأخرسهم رغماً وألغى به اللغوا
تنبئهم عن كل علم سطوره … وتخبرهم بالغيب من آيه الفحوى
فصدقه أهل السوابق والأولى … أتيح لهم أن يشربوا كاسه صفوا
وكذّبه قوم عن الحق قد عموا … وصموا بإعجاب النفوس بالطغوى
فسفه أحلام المشائخ منهم … وآذوه لما عاب دينهم الألوى
فهاجر من بطحاء مكة سارياً … وباتت عيون القوم عن نوره عشوا
فما راعهم إلا الصباح وأن رأوا … على رأس كل منهم الترب محثوا
وأم مع الصديق أكالة القرى … تلين له الشجوى وتطوي له الفجوا
فشرف إذ وافى منازل طيبة … وسكانها والترب والماء والجوا
وَألقى عصا التسيار إذ أحسنوا له … وللمؤمنين الأوس والخزرج المأوى
وفيها فشا الإسلام وإنبجست بها … عيون الهدى والحق وانزاحت الأسوا
وناصره الأنصار فيها وآمنوا … به وارعووا عن جهلهم أحسن الرعوى
وقاتل من لم يدخل الدين طائعا … وشن على أعدائه الغارة العشوا
وفرق شمل المشركين بعزمه … ثبات فما اسطاعوا لتمزيقه رفوا
وقاد إليهم جحفلاً بعد جحفل … ووالى عليهم في ديارهم الغزوا
يصبحهم من صحبه بفوارس … يرون مذاق الموت إن جالدوا حلوا
يخوضون لج الهول علماً بأن من … نجا من حتوف الحرب تقتله الأدوا
مآثر تروي عن حنين وخيبر … وعن أحد والفتح والعدوة القصوى
ولم لا وهم في نصر من سبح الحصى … بكفيه والأشجار جاءت له حبوا
وكلمه ضب الفلاة وسلمت … عليه ولانت تحت أخمصه الصفوا
وحنّ إليه الجذع شوقاً وإننا … من الجذع أولى أن نحن وأن نجوى
فأي فؤاد لم يهم في وداده … وأية نفس لا تزال به نشوى
ولما شكى العافون ما حل عندما … بأنيابها عضّتهم ألسنة السنوا
دعا فاستهل الغيث سبعاً بصيب … مريع سقى سفل المنابت والعلوا
فأينعت الأثمار فيها وأخرجت … غثاء من المرعى لأنعامهم أحوى
وعم العباد الخصب وأنجاب عنهم … بدعوته البأساء والقحط واللأُوا
أتى ناسخاً دين اليهود وشرعه … النصارى وأحيا بالحنيفة الفتوى
فما لغلاة السبت أبدوا جحوده … عناداً وفي التوراة أنباؤه تروى
وما للنصارى أنكروا بعثة الذي … بأخباره الانجيل قد جاء مملوا
فبعداً لكم أهل الكتابين إنكم … ضللتم على علم وآثرتم الأهوا
ولا بدع أن يرضى العمي بالهدى من أرتضى … الفوم والقثاء بالمن والسلوى
ومن يبتغ التثليث ديناً فلن ترى … له أُذناً للحق واعية خذوا
ولو أنهم دانوا بدين محمد … وملته لاستوجبوا العز والبأوا
ألا يا رسول الله يا من بنوره … وطلعته يستدفع السوء والبلوى
ويا خير من شدّت إليه الرحال من … عميق فجاج الأرض تلتمس الجدوى
إليك اعتذاري عن تأخّر رحلتي … إلى سوحك المملوء عمّن جنى عفوا
على أن خمر الشوق خامرني فلم … يدع في عرقا لا يحن ولا عضوا
وإني لتعروني لذكراك هزة … كما أخذت سلمان من ذكرك العروا
وما غير سوء الحظ عنك يعوقني … ولكنني أحسنت في جودك الرجوا
وها أنا قد وافيت للروضة التي … بها نير الإيمان ما انفكَّ مجلوا
وقفت بذلي زائراً ومسلّما … عليك سلام الخاضع الرابع الشكوى
صلاة وتسليم على روحك التي … إليها جميع الفخر أصبح معزوّا
عليك سلام الله يا من بجاهه … ينال من الآمال ما كان مرجوا
عليك سلام الله يا من توجّهت … إلى سوحه الركبان تطوي الفلا عدوا
عليك سلام الله يا سيّداً سرت … بهيكله العضباء ترفل والقصوا
سلام على القبر الذي قد حللته … فأضحى بأنوار الجلالة مكسوا
إليك ابن عبد الله وافيت مثقلاً … بأوزار عمر مر معظمه لهوا
غفلت عن الأخرى وأهملت أمرها … وطاوعت غي النفس في زمن الغلوا
ومنك رسول الله أرجو شفاعة … تغادر مسود الصحائِف ممحوا
ولي في عريض الجاه آمال فائز … بما رامه من فيض فضلك مبدوا
ومن سِرِّك ابذر في فؤادي ذرة … لأرجع بالعلم اللدُنِّي محبوا
على عتبات الفضل أنزلت حاجتي … وتالله لا يمسي نزيلك مجفوا
وقد صح لي منك انتماء ونسبة … إليك لسان الطعن من دونها يكوى
وأنت الذي تأوي النزيل وتكرم السليل … وترعى الجار والصهر والحموا
وقد مسّني من أهل بيتي وبلدتي … أذى وكثير منهم أكثروا العدوا
فكن منصفي بالصبر ضاق نطاقه … وخذلي بحقي يا ابن ساكنة الأبوا
وقابل بألطاف القبول مديحة … مبرأة عن وصمة اللحن والإِقوا
بمدحك تزهو لا برونق لفظها … وترجو على الأتراب أن تدرك الشأوا
تؤمل أن يسقي محررها غدا … من الكوثر المورود كأساً بها يروى
وصلى عليك الله ما أنهل صيب … من المزن فاخضلت بجناته الجنوى
صلاة كما ترضى معطرة الشذا … تفوح بها في الكون رائحة الغلوى
ويسري إلى أرواح آلك سرها … وصحبك والأتباع في السر والنجوى