من روائع الشعر الفصيح ـ مصطفى لطفي المنفلوطي ـ الشعر العربي في العصر الحديث

 من روائع الشعر الفصيح ـ  مصطفى لطفي المنفلوطي ـ الشعر العربي في العصر الحديث






 من روائع الشعر الفصيح
 ـ الشعر العربي في العصر الحديث

          مصطفى لطفي المنفلوطي شاعرًا

ولد مصطفى لطفي المنفلوطي في سنة 1293هـ الموافق 1876م من أب مصري وأم تركية في مدينة منفلوط من الوجه القبلي لمصر من أسرة حسينية النسب مشهورة بالتقوى والعلم نبغ فيها من نحو مئتي سنة، قضاة شرعيون ونقباء، ومنفلوط إحدى مدن محافظة أسيوط  نهج المنفلوطي سبيل آبائه في الثقافة والتحق بكتاب القرية كالعادة المتبعة في البلاد آنذاك فحفظ القرآن الكريم كله وهو في التاسعة من عمره ثم أرسله أبوه إلى الجامع الأزهر بالقاهرة تحت رعاية رفاق له من أهل بلده، فتلقى فيه طوال عشر سنوات علوم العربية والقرآن الكريم والحديث الشريف والتاريخ والفقه وشيئاً من شروحات على الأدب العربي الكلاسيكي، ولا سيما العباسي منه. وفي الثلاث سنوات من إقامته في الأزهر بدأ يستجيب لتتضح نزعاته الأدبية، فأقبل يتزود من كتب التراث في عصره الذهبي، جامعاً إلى دروسه الأزهرية التقليدية قراءة متأملة واعية في دواوين شعراء المدرسة الشامية (كأبي تمام والبحتري والمتنبي والشريف الرضيبالإضافة إلى النثر كعبد الحميد وابن المقفع وابن خلدون وابن الأثير الجزريكما كان كثير المطالعة في كتب: الأغاني والعقد الفريد وزهر الآداب، وسواها من آثار العربية الصحيحة. وكان هذا التحصيل الأدبي الجاد، الرفيع المستوى، الأصيل البيان، الغني الثقافة، حريا بنهوض شاب كالمنفلوطي مرهف الحس والذوق، شديد الرغبة في تحصيل المعرفة. ولم يلبث المنفلوطي، وهو في مقتبل عمره أن اتصل بالشيخ الإمام محمد عبده، الذي كان إمام عصره في العلم والإيمان، فلزم المنفلوطي حلقته في الأزهر، يستمع منه شروحاته العميقة لآيات من القرآن الكريم، ومعاني الإسلام، بعيداً عن التزمت والخرافات والأباطيل والبدع، وقد أتيحت له فرصة الدراسة على يد الشيخ محمد عبده، وبعد وفاه أستاذه رجع المنفلوطي إلى بلده حيث مكث عامين متفرغا لدراسة كتب الأدب القديم فقرأ لابن المقفع والجاحظ والمتنبي وأبى العلاء المعري وكون لنفسه أسلوباً خاصاً يعتمد على شعوره وحساسية نفسه.

المصدر موسوعة ويكيبيديا

لمعرفة المزيد عن المنفلوطي

اضغط هـنـــا

قال المنفلوطي في تلك العينية

جَرَى الدمعُ حتى ليسَ في الجفنِ مَدمَعُ

                وقاسيتُ حتَّى ليس في الصبرِ مَطمَعُ

وما أنا منيبكي ولكنَّه الهَوى

               يريدُ سن الأُسدِ الخضوعَ فتخضعُ

فلِلَّه قلبي ما أجلَّ اصطبارَهُ

                      وأثبتَهُ والسيفُ بالسيف يُقرعُ

وللَّه قلبي ما أقلَّ احتماله

                  إذا ما نأى عنه الحبيبُ المودِّعُ

إذا لاحَ لي سيفٌ من الخطبِ رُعتُه

             وإن لاح لي سيفٌ من اللحظِ أجزَعُ

وأقتادُ لَيثَ الغابِ واللَّيثُ مُخدِرٌ

               ويقتادني الظبي الغريرُ فأتبَعُ

وليلٍ أضلَّ الفجرُ فيه طريقَه

                فلم يدرِ لما ضلَّ من أين يَطلُع

سهرتُ به أرعى الكواكبَ والكَرَى

              عَصِيٌّ على الأجفانِ والدمعُ طيّعُ

أودُّ لو ان الطيفَ من بِزَورَةٍ

             وكيفَ يزورُ الطيفُ مَن ليس يَهجَعُ

لقد عشتُ دَهراً ناعمَ البالِ خالياً

                      من الهمّ لا أَشكُو ولا أتَوَجَعُ

أروحُ ولي في مَعهدِ الغَي مَربَعٌ

                 وأغدُو ولي في مَسرحِ اللَّهو مرتَعُ

فما زلتُ أبغي الحبَّ حتَّى وجدتُه

                      فلما أردتُ القُربَ كان التمنُّعُ

فلم يبقَ لي عن ذلك الحبِّ مهرَبٌ

                  ولم يَبقَ لي في ذلك القُربِ مَطمَعُ

كأني في جوِّ الصبابةِ ريشةٌ

                  بأيدي السوافي مالها الدهرُ مَوقِعُ

كأني في بحر الهُيام سفينةٌ

                     أحاطَ بها مَوجُ الردى المُتَدَفِّع

كأني في بيداءَ دهماءَ مَجهَلٌ

                     تضلُّ رُخاءٌ في دُجاها وزَعزَعُ

فلا أنا فيها واجدٌ من يَدُلُّني

                     ولا نجمها يبدو ولا البرقُ يَلمُع

فمهلاً رويداً أيها اللائم الذي

                          يُجرِّعني في لومِه ما يُجرِّعُ

نَصحتَ فلم أسمَع وقلتَ فلم أُطِع

                   فما نُصحُ حِبٍّ لا يُطيعُ ويَسمَعُ

فيا حُبَّ هذا القولُ لو كان مُجدِياً

                  ويا نِعم ذاك النُصحُ لو كان ينفَعُ

قضى اللَه أن لا رأى في الحبِّ لامرئٍ

                          وذاك قضاءٌ نافذٌ ليس يُدفع

مررتُ على الدّار التي خَفَّ أَهلُها

                     وطالَ بِلاها فهي بَيداءُ بَلقَعُ

معاهدُ كانت آهلاتٍ وكانَ لي

                   مَصِيفٌ تَقضَّى في رُبَاهَا ومَربع

فيا ليتَ شِعري هل يعُودَنَّ عَيشُنَا

                   بمعهدها والشَّملُ بالشَّملِ يُجمع

فَتُقضى لباناتٌ وتُطفَى لواعجٌ

                       وتَبرُدَ أكبادٌ وتَنضُبَ أدمُع

فما أنسَ م الأشياءِ لا أنسَ ليلةً

                 تجشمتُ فيها الهولَ والهولُ مُفزِع

ولا مؤنسٌ إلا ظلامٌ ووحدةٌ

                     ولا مسعدٌ إلا فؤادٌ مُروع

ولا صاحبٌ إلا المطيةُ حولَها

                ذئابٌ تبارى في الفلاةِ وأضبع

ولا عين إلا النجمُ ينظرُ باهتاً

                ويعجب لي ماذا بنفسي أصنع

إذا ما تشكَّت من كلالٍ مطيتي

                 وقد كلمتها ألسن السوط تُسرِع

أسيرُ بها سيرَ الصحاب كأنني

                  بأذرعُها عَرضَ الفِدادِ أُذَرِّعُ

إلى أن تنورتُ الخيامَ ولاح لي

                   ضياءٌ بدا من جانبِ الحيّ يَسطَعُ

فأقدَمتُ نحو الحيِّ والحيُّ هاجعٌ

                  وخُضتُ سوادَ القومِ والقومُ صُرَّع

وما كنتُ أدرى قبلَ ذلك خِدرَها

                    ولكن هَدَاني نشرُها المتضوِّعُ

فبتُّ وباتَت يعلمُ اللَه لم يكن

                   سِوى أُذنٍ تُصغِى وعينٍ تَمتَّعُ

نخالُ دَوىَّ الرِّيح في الجوِّ واشياً

                      بِنَا وضياءَ البرقِ عيناً فَنَفزَعُ

وما عينَ إلا خوفُنا وارتياعُنا

                        ولا ناظرٌ يرنو ولا أذنَ تسمع

وأعذبُ وِردٍ راقَ ما كان نَيلُه

                       عزيزاً وأحلى القُربِ قربٌ مُمَنَّع

فكانت برغم الدهر أحسنَ ليلةٍ

                 رأَيتُ لعمري بل هي العُمر أجمعُ

وما راعنا إلا هديرُ حمامةٍ

                  على فَنَنٍ عند الصباح تُرجِّع

فقمتُ ولم تعلق بذيلي ريبةٌ

                        ولا كان إلا ما يشاءُ الترفُّعُ

وودّعتُها والحزنُ يَغلِبُ صبرَنا

                           وأحشاؤُنا من حَسرةِ تَتَقطَّعُ

فَقالَت أهذا آخرُ العهد بَينَنا

                             وهل لِتلاقِينا مَعادٌ ومَرجعُ

فقلتُ ثِقي بالله يا فوزُ إِنَّها

                            سحابةُ صَيفٍ عن قَليل تَقشَّع

وسرتُ وقلبي في الخِيامِ مُخلَّفٌ

                           وَلِي نحو قلبي والخيامِ تطلُّع

حَنانيكَ رفقاً أيها الدهر واتئد

                            فحسبِي ما ألقى وما أتجرّعُ

ورُحماكَ بي فالسيلُ قد بلغَ الزُّبى

                       ولم يبقَ في قوسِ التصبرِ منزعُ

على أنني أصبحتُ لا مُتخوفاً

                 مُلِماً ولا إِن نالني الرزءُ أجزعُ

قد اعتصمت بالصبر نفسي وفوضت

              إلى الله ما يُعطى الزمانُ ويمنَعُ

وأمسيتُ لا أخشى الخطوبَ ووقعَها

                   ولو أنها سُمُّ الأساودِ مَنقَعُ

فقد بِتَّ جاراً للإمام وأنه

               أعز بَنى الدنيا جِواراً وأمنَعُ

سمعتُ بهِ دهراً فلما أَتيتُه

             رأَيتُ بعيني فوق ما كنت أسمع

وشاهدتُ وضاح الأساريرِ أروعاً

            على وجهه نورٌ من اللَه يَسطع

تَزاحمُ أقدامُ العُفاةِ ببابه

            فلا هُوَ محجوبٌ ولا الفضل يمنعُ

إذا سرتَ فالأبصارُ نحوكَ حُوَّم

              وإن قُلتَ فالأعناقُ حَولَكَ تَخضَعُ

وأضحى بِكَ الإِفتاءُ يختالُ عِزَّةً

            فما أنت إلا التاجُ منه مُرصَّع

أمولاي هذا الدهرُ وَالى صُرُوفَه

            على فأنجد أو أشر كيفَ أصنعُ

فما أنا إلا غَرسُ نعمتكَ الذي

            يُغاديهِ غَيثٌ من نَداكَ فيُمرعُ

فإن شِئتَ فالفضلُ الذي أنت أهله

            وإلا فإني في الأنام مُضَيّع

 

القصيدة من موقع موسوعة الديوان الشعرية

للمزيد من قصائد المنفلوطي

اضغط هـنــــا

 



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-