نونية ابن القيم في وصف الجنة
النونية لابن قيم الجوزية
وصف الجنة لابن القيم من النونية الكافية الشافية
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الخلق نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
إن قصيدة النونية لابن القيم - رحمه الله تعالى - من أروع القصائد التي أبدعها الشعراء، ولاسيما ما اشتملت عليه من معانٍ سامية، فهي الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية التي انتصر فيها لعقيدة السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ، ورد فيها ردًا مؤثرًا على مخالفيهم، ونقض حججهم حجة تلو حجة، وكشف شبهاتهم وضلالاتهم.
ولقد بين الناظم - رحمه الله تعالى- عقيدة السلف، وتَوسَّع في ذكر أصولها، ورد بدعها كما ذكر أهل العلم، ثم تحدث عن وصف الجنة وأبوابها ومفاتيح تلك الأبواب واستفاض في ذلك بأبيات في قمة الإبداع؛ وتغنى المنشدون والقراء المبدعون بتلك الأبيات التي تحرك المشاعر وتحبب المسلم في الإقبال على الطاعة لنيل تلك الجنة التي "طابت وطاب نعيمها"؛ لذلك آثرت أن أعرض أبيات تلك النونية في وصف على الجنة من خلال صفحات مدونتي المتواضعة، وأردت أن أعرضها نصًا مكتوبًا في حلقات ليسهل قراءتها، لمن أراد أن يستفيد منها لقلة نصوصها المكتوبة، وسرت في تقسيمها إلى فصول على نهج كتاب "شرح أبيات الجنة من نونية ابن القيم" تأليف / أبي المعالي محمود شكري الحسيني البغدادي ـ رحمه الله تعالى ـ ،والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجه الله وأن يرزقنا جميعا وأهلينا الفردوس الأعلى من الجنة.
أولا: التعريف بابن القيم: المصدر ( ويكيبيديا ـ الموسوعة الحرة)
أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي (691هـ - 751هـ/1292م - 1350م) المشهور باسم "ابن قيّم الجوزية" أو "ابن القيّم". هو فقيه ومحدّث ومفسَر وعالم مسلم مجتهد وواحد من أبرز أئمّة المذهب الحنبلي في النصف الأول من القرن الثامن الهجري. نشأ ابن القيم حنبليّ المذهب؛ فقد كان والده "أبو بكر بن أيوب الزرعي" قيّماً على "المدرسة الجوزية الحنبلية"،(1) وعندما شبَّ واتّصل بشيخه ابن تيميّة حصل تحوّل بحياته العلمية، فأصبح لا يلتزم في آرائه وفتاويه بما جاء في المذهب الحنبلي إلا عن اقتناع وموافقة الدليل من الكتاب والسنة ثم على آراء الصحابة وآثار السلف، ولهذا يعتبره العلماء أحد المجتهدين.
وُلد ابن القيم سنة 691 هـ المُوافِقة لسنة 1292م، فنشأ في مدينة دمشق، واتجه لطلب العلم في سن مبكرة، فأخذ عن عدد كبير من الشيوخ في مختلف العلوم منها التفسير والحديث والفقه والعربية، وقد كان ابن تيمية أحد أبرز شيوخه، حيث التقى به في سنة 712هـ/1313 م، فلازمه حتى وفاته في سنة 728هـ/1328 م، فأخذ عنه علماً جمّاً واتسع مذهبُه ونصرَه وهذّبَ كتبه، وقد كانت مدة ملازمته له سبعة عشر عاماً تقريباً. وقد تولى ابن قيم الجوزية الإمامة في "المدرسة الجوزية"، والتدريس في "المدرسة الصدرية" في سنة 743هـ.
سُجن ابن القيم مع ابن تيمية في شهر شعبان سنة 726هـ/1326م بسبب إنكاره لشدّ الرحال لزيارة القبور، وأوذي بسبب هذا، فقد ضُرب بالدرة وشُهِّر به على حمار. وأفرج عنه في يوم 20 ذو الحجة سنة 728هـ وكان ذلك بعد وفاة ابن تيمية بمدة. ويذكر المؤرخون أنه قد جرت له مشاكل مع القضاة منها في شهر ربيع الأول سنة 746هـ بسبب فتواه بجواز إجراء السباق بين الخيل بغير مُحَلِّل. وكذلك حصلت له مشاكل مع القضاة بسبب فتواه بمسألة أن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع طلقة واحدة. وتوفي في 13 رجب سنة 751هـ وعمره ستون سنة، ودُفن بمقبرة الباب الصغير بدمشق.
سار ابن القيم على نهج شيخه ابن تيمية في العقيدة، كما كان له آراء خاصة في الفقه وأصوله ومصطلح الحديث وغير ذلك من المسائل. واشتهر بمؤلفاته في العقيدة والفقه والتفسير والتزكية والنحو بالإضافة إلى القصائد الشعرية.
كان لابن قيم الجوزية تأثير كبير في عصره، فيشير المؤرخون إلى أخْذ الكثيرين العلمَ على يديه. وكذلك برز أثره إلى جانب شيخه ابن تيمية في أماكن متفرقة من العالم الإسلامي في وقت لاحق، فكانت حركة محمد بن عبد الوهاب التي ظهرت في القرن الثاني عشر الهجري امتداداً لدعوة ابن تيمية، وكان محمد بن عبد الوهاب يعتني اعتناء كاملًا بكتبه وكتب ابن القيم، وكذلك الحال بالنسبة لمحمد رشيد رضا. وفي شبه القارة الهندية برز أثر كتبهما أيضاً في عديد من طلبة العلم ونُشرت كتبهما على أيدي العلماء هناك.
الفصل الأول
فيما أعد الله تعالى في الجنة لأوليائه المتمسكين بالكتاب والسنة
1 | يا خاطبَ الحور الحسان وطالبًا | لوصالهنَّ بجنــــــة الحيوانِ |
---|---|---|
2 | لو كنتَ تدري من خطبتَ ومن طلب | ـتَ بذلتَ ما تحوي من الأثمانِ |
3 | أو كنتَ تدري أين مسكنُها جعلـ | ـتَ السعيَ منك لها على الأجفانِ |
4 | و لقد وصفتُ طريقَ مسكنِها فإنْ | رُمتَ الوصالَ فلا تکن بالواني |
5 | أسرِعْ وحُثَّ السيرِ جهدك إنَّما | مسراك هذا ساعــــةٌ لزمانِ |
6 | فاعشق وحدِّث بالوصال النفسَ وابـ | ـذل مهرَها ما دُمت ذا إمكانِ |
7 | واجعل صيامَك قبل لُقياها ویو | م الوصل يوم الفطر من رمضانِ |
8 | واجعل نُعُوتَ جمالها الحادي وسر | تلقَى المخاوف وهي ذات أمانِ |
9 | لا يُلهينَّــــــك منزلٌ لعــــبتَ به | أيدي البلی مُنْ سالفِ الأزمانِ |
10 | فلقد تَرَحَّـــــــلَ عنه كلُّ مسرةٍ | وتبدلت بالــــــهم والأحــــــزانِ |
11 | سجنٌ يضيقُ بصاحب الإيمان لـ | ـكن جنَّةُ المأوى لذي الكفرانِ |
12 | سكانُها أهلُ الجهالةِ والبطا | لةِ والسفاهةِ أنجسُ السكانِ |
13 | وألذُّهم عيشًا فأجهلهم لحق | الله ثم حقــــــــائق القـــــرآنِ |
14 | عَمُرت بهم هذي الديار وأقفرت | منهم ربوعُ العلم والإيمــــــانِ |
15 | قد آثروا الدنيا ولذةَ عيشها الـ | ـفاني على الجنات والرضوانِ |
16 | صَحِبوا الأماني وابتُلوا بحظوظِهم | ورَضُوا بكل مذلَّةٍ وهـــــوانِ |
17 | کدحًا وكدًّا لا يُفتَّر عنهــــــــمُ | ما فيه من غــــمٍّ ومن أحزانِ |
18 | والله لو شاهدت هاتيك الصدو | ر رأيتها كمراجــــل النيــــرانِ |
19 | ووقودها الشهواتُ والحسرات والـ | آلام لا تخبو مدى الأزمـــــانِ |
20 | أبدانُهم أجداث هاتيك النفو | س اللاء قدر قُبِرت مــع الأبدانِ |
21 | أرواحُهم في وحشةٍ وجُسُومُهم | في كدحها لا في رضى الرحمنِ |
22 | هربوا من الرِقِّ الذي خلقوا له | قبلوا برقِّ النفسِ والشيطانِ |
23 | لا ترضَ ما اختاروه هُم لنُفُوسهم | فقد ارتضوا بالذُّلِ والحرمانِ |
24 | لو ساوتِ الدنيا جناحَ بعوضةٍ | لم يَسقِ منها الربُّ ذا الكفرانِ |
25 | لكنَّها ـ والله ـ أحقرُ عنده | مِنْ ذا الجناحِ القاصرِ الطيرانِ |
26 | و لقد تولَّتْ بعدُ عن أصحابها | فالسعد منها حلَّ في الدَّبَـرَانِ |
27 | لا يُرتجى منها الوفاء لِصَبِّها | أين الوفــــا من غــادرٍ خوَّانِ؟ |
28 | طُبِعْت على كدرٍ فكيف ينالُها | صفوٌ أهذا قَـــــطُّ في يفعلِ؟ |
29 | يا عاشق الدنيا تأهَّب للذي | قَدْ نَالَه العُشَّاقُ كــــلَّ زمانِ |
30 | أو ما سمعتَ بل رأيتَ مصارعَ الـ | ـعُشَّاقِ من شيبٍ ومن شبانِ |