التورية ـ المحسنات البديعية ـ علم البديع ـ البلاغة ـ للصف الثاني الثانوي

 

التورية ـ المحسنات البديعية ـ علم البديع ـ البلاغة ـ  للصف الثاني الثانوي


 التورية
 ـ المحسنات البديعية 
ـ علم البديع ـ البلاغة 
ـ  للصف الثاني الثانوي

التورية

[من المحسنات البديعية المعنوية]

معنى التورية:

- المعنى اللغوي:  « مصدر رويت الخبر تورية إذا سترته وأظهرت غيره ».

ـ المعنى الاصطلاحي: عرفها الخطيب التبريزي بقوله : «وهي أن يطلق لفظ له معنيان : قريب ، وبعيد ، ويراد به البعيد منهما». فالتورية عبارة عن كلمة واحدة لها معنيان : الأول معنى قريب، لكن لا يريده المتحدث؛ لأنه غير ملائم للمقام، أو مستبعد. والثاني بعيد هو المراد لأنه مقبول يلائم المقام.

نماذج للتوضيح:

1 ـ قول يحيى بن منصور:

فلما نأت عنّا العشيرة كلّها                أنخنا فحالفنا السيوف على الدّهر

فما أسلمتنا عند يوم كريهة           ولا نحن أغضينا الجفون على وتر     

فالتورية في (الجفون) لاحتمال اللفظ معنيين هما :

أـ المعنى القريب: وهو جفون العين الحقيقية، وقد سبقه دليل عليه يرشحه، وهو (أغضينا) لأن الإغضاء من لوازم العين.

ب ـ المعنى البعيد: جفون السيوف (أغمادها) ، وهو المعنى البعيد. وهذا هو المعنى المراد لأن السّيف إذا أغمد انطبق الجفن عليه ، وإذا جرّد انفتح.

 

2ـ قول البحتري:

   ووراء تسديد الوشاح مليّة                  بالحسن تملح في القلوب وتعذب

فالتورية في (تملح) لاحتمال اللفظ معنيين :

أ ـ المعنى القريب: الملوحة ضد العذوبة ، وهو المعنى الغير المراد.

ب ـ المعنى البعيد: الملاحة أي الحسن ، وهو المعنى المراد ، وقد تقدّم عليه ما يدل وهو (مليّة بالحسن).

3ـ قول نَصِيرُ الدين الحَمَّامي    :

أبْيَاتُ شِعْرك كالقُصـ … …ـور ولا قُصُورَ بهَا يَعوقْ  

ومنَ العجَائبِ لَفْظُها … ...… حُرٌّ ومعناها "رَقيقْ "

فالتورية في (رَقيقْ) لاحتمال اللفظ معنيين :

أ ـ المعنى القريب ، العبد المملوك، وهو المعنى الغير المراد ويدل عليه كلمة "حر".

ب ـ المعنى البعيد ، اللطف والسهولة، وهو المعنى المراد، وقد تقدّم عليه ما يدل وهو (لَفْظُها).

 

4 ـ قول سِرَاجُ الدين الوَرَّاق:

أصُونُ أديمَ وجهي عَن أُنَاس … …لقاءُ الموتِ عِنْدهُم الأديبُ

                                    وَرَبُّ الشعر عندهُمُ بَغِيضٌ … …وَلَوْ وَافَى بهِ لَهُمُ "حبَيبُ"

          فالتورية في (حبَيبُ) لاحتمال اللفظ معنيين :

أ ـ المعنى القريب ، المحبوب ، وهو المعنى الغير المراد ويدل عليه كلمة "بغيض".

ب ـ المعنى البعيد ، اسم أبي تمام الشاعر وهو حبيبُ بنُ أَوْس الطائي، وهو المعنى المراد، وقد تقدّم عليه ما يدل وهو (رَبُّ الشعر).

4 ـ قول الشَّابُّ الظريف:

تَبَسَّمَ ثغْرُ البانِ عَنْ طِيبِ نَشْرِهِ ... وأَقْبَلَ في حُسْنٍ يَجِلُّ عن الوَصْفِ

هَلُمُّوا إِليه بَينَ قَصْفٍ ولَذَّةٍ  …فإِنَّ غصونَ الزَّهْر تَصْلُحُ "للقَصْفِ"

فالتورية في (للقَصْفِ) لاحتمال اللفظ معنيين :

أ ـ المعنى القريب، "الكسر" ، وهو المعنى غير المراد ويدل عليه كلمة " غصونَ الزَّهْر ".

ب ـ المعنى البعيد ، اللعب واللهو ، وهو المعنى المراد، وقد تقدّم عليه ما يدل وهو (قَصْفٍ ولَذَّةٍ  ).

5ـ قول بن سناء الملك في مدح صلاح الدين :

                    ولا برحت مصر أحق "بيوسف"          من الشام لكن الحظوظ تقسم

فالتورية في (يوسف) لاحتمال اللفظ معنيين :

أ ـ المعنى القريب، "نبي الله يوسف عليه السلام" ، وهو المعنى غير المراد ويدل عليه كلمة " مصر " التي عاش فيها نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ بعد أن ألقاه إخوته في البئر.

ب ـ المعنى البعيد ، "صلاح الدين يوسف بن شادي" ، وهو المعنى المراد، ويرشح ذلك أن الشاعر كان من كتاب ديوان صلاح الدين، وكان مرافقًا له في حله وترحاله.

6ـ قول سراج الدين الورّاق:

وقفت بأطلال الأحبّة سائلا           ودمعي يسقي ثمّ عهدا ومعهدا

ومن عجب أنيّ أروّي ديارهم      وحظّي منها حين أسألها "الصّدى"

فالتورية في (الصدى) لاحتمال اللفظ معنيين :

أ ـ المعنى القريب، "صدأ الحديد" ، وهو المعنى غير المراد ويدل عليه كلمة " المبرد ".

ب ـ المعنى البعيد ، "العطش" ، وهو المعنى المراد، ويرشح ذلك كلمة "النهر".

وقال طبيب العيون: ابن دانيال:

يا سائلي عن حرفتي في الورى                     واضيعتي فيهم وإفلاسي

 ما حال من درهم إنفاقه                    يأخذه من أعين الناس؟

 فالتورية في (يأخذه من أعين الناس) لاحتمال اللفظ معنيين :

أ ـ المعنى القريب، " أخذ الدرهم أجر علاج عيون الناس " ، وهو المعنى غير المراد ويدل عليه أن القائل طبيب يداوي الأعين لهذا تبادر إلى الذهن هذا المعنى بسبب ما سبق من كلام على حرفة الشاعر، وأنت أيها الطالب تقرأ ذلك في التعريف بالشاعر، وهو ما يسبق النص.

ب ـ المعنى البعيد ، " أخذ الدرهم من الناس مكرهين مرغمين لأنّ أعينهم تسافر خلف ما يدفعونه من دراهم لشفائها؛ فهم بخلاء. وهو المعنى البعيد الذي قصده الشاعر.

      لقد تبيّن ممّا سبق من شرح وتفصيل أنّ التورية ضرب من التخييل ، وفيها شيء من الألغاز ، وهي من الغموض الفنّي المستحبّ لأن المتلقّي المتمتّع بثقافة شعرية أو فنية يدرك أنها تخاطب عقله وذكاءه وفطنته ، وأنها تبعده عن المعاني المباشرة ؛ لأن الأداء المباشر يبعد عن الشعر إشعاع الإيحاءات المختلفة. فالفنّ تأمّل ، والمتذوّق يجب أن يتحلّى بذائقة قادرة على كشف ما يضيفه الشاعر والمبدع إلى الطبيعة الجمالية التي يرسمها الشاعر. إنها من الصور الخادعة التي تترك للمتلقي أن يذهب إلى تفسيرات مختلفة باختلاف قدرته على الكشف والتذوق وتفكيك عناصر الصورة المتخيّلة.   (علوم البلاغة ـ محمد أحمد قاسم، محي الدين ديب ـ ص82)

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-