من روائع الشعر الفصيح ـ ومضات من ديوان الإمام الشافعي (قافية الهمزة)

 

من روائع الشعر الفصيح ـ ومضات من ديوان الإمام الشافعي     (قافية الهمزة)

سلسلة روائع الشعر الفصيح 

 إعداد الأستاذ/ إبراهيم ماضي

                      تقدم 
ومضات من ديوان الإمام الشافعي     (قافية الهمزة)

التعريف بالشاعر:

الإمام الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ ـ رحمة الله عليه ـ المولود في القرن الثاني الهجري (150-204هـ / 767-820م).

    لقد كان الإمام الشافعي شاعراً فصيحاً ً، عذب المعاني، شريف المقصد، ويروى أن الإمام أحمد بن حنبل قال فيه: "كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس".

للاطلاع على سيرة الشافعي رحمه الله.

      اضغـــــط هنـــــا   

   

الدافع لكتابة هذه الصفحات:

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرًا ـ ورضي الله عن صحابته الأبرار وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

                ثم أما بعد

 إن مما دفعني لاستخلاص تلك الومضات المشرقة البسيطة من أشعار هذا الإمام الشاعر العظيم، هو ما أشعر به من ميل وحب لشعره، واقتنائي لديوانه من بداية تسعينيات القرن الماضي، فقد كان من أول الكتب التي اقتنيتها عندما كنت طالبا في دار العلوم،  وإكثاري من الاستشهاد بأبياته أمام أبنائي الطلاب، سواء في دروس البلاغة، أو في الحديث عن بعض المواقف العامة، وكثيرًا ما يسألني سائل عن معن كلمة أو مضمون بيت، فقررت أن أدون بعض الومضات المقتبسة من بعض أشعار الإمام الشافعي؛ لتُعطر مدونتي المتواضعة، عسى أن يستفيد منها محبو الأدب ، فما كان فيها من صواب فهو بتوفيق الله وفضله، وما كان بها من خطأ أو تقصير فهو منى ، فأدعو الله سميعا أن يغفر لي.   

منهجي في هذه التعليقات:

أولا: أبدأ بذكر معاني بعض الكلمات التي يحوطها الغموض على بعض الناس في زماننا هذا.

ثانيا: أقوم بالتعليق على النص بما يفتح الله عليَّ به من معان.

ثالثا: أقوم بتقسيم النص إلى مقاطع يدور كل جزء حول فكرة واحدة؛ راجيا من ذلك وضوح المعنى.

رابعا: كيفية ترتيب القصائد، والتعليق عليها:

1ـ لأن القصائد كثيرة فالتزمت في عرضها بالترتيب (الألف بائي) للقافية وهو ترتيب الموسوعة الشعرية (جزى الله من وضوعها خير الجزاء).           

2ـ ولأن التعليق سيحتاج إلى وقت ليس بالقصير حتى يكتمل، وربما ينتهي الأجل قبل أن تخرج تلك الكلمات للنور، ففضلت أن أعرض للقراء ما أُدونه أولا بأول، فعند انتهائي من قافية الهمزة سأقوم بعرضها، ثم الباء، وهكذا.....

3ـ وهذا التقسيم للديوان فيه فوائد منها دفع الملل عن القارئ من الإطالة أولا، ثم ما نسميه في مناهج التربية بالتغذية الراجعة، وأعني بها أن أستفيد من تعليقاتكم ونصائحكم وتوجيهاتكم؛ فما أنا إلا متطفل على موائد الأدب، وأعد بأن اهتم بكل نقد بنَّاء وتوجيه سديد، ولو كلفني إعادة ما سطرته من كلمات وجمل وعبارات.    

1ـ أهمية الدعاء

    أَتَهْزَأُ بِالدُّعَــــاءِ وَتَزْدَرِيهِ(1)    

             وَمَا تَدْرِي بِما صَنَعَ الدُّعَاءُ

    سِهَامُ اللَّيلِ لا تُخْطِي وَلَكِنْ  
     

         لها أمدٌ وللأمدِ(2) انقضاءُ

  1ـ تَزْدَرِيهِ: تحتقره.

 2ـ أمد: وقت وغاية ونهاية، والجمع آماد

  يتحدث الشافعي ـ رحمه الله ـ عن فضل الدعاء ومكانته؛ فالعبد الغافل قد يحتقر الدعاء، ولا يعد له قيمة جهلا منه، أو نسيانا لفضله العظيم؛ ولا يدري الفوائد التي تعود على من يدعو الله، ولا يتيقن أن الدعاء لا يخطئ أبدا، لكن قد يتأخر لوقت يعلمه الله، أو قد يدخره الله للعبد يوم الحساب، وكم من داعٍ استجاب الله دعاءه في حينه، ولنا في الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أسوة وقدوة، وغيرهم مما يدور حولنا في الواقع.  

2ـ خلق الحياء

يَعيشُ المرءُ ما استحيا⁽¹⁾ بخيْرٍ  
   

      ويبقى العودُ⁽²⁾ ما بقيَ اللَّحاءُ⁽³⁾

إذا لم تخشَ عـــــاقبة َ الليالي  
      

          وَلَمْ تستحِ فافعَلْ ما تشــاءُ

1ـ استحيا: تخلق بخلق الحياء.

2ـ العُود: يقصد به الغصن الأخضر.

3ـ اللحاء: هو قشر كل شيء.

  يتحدث الشاعر في بيتيه السابقين عن خلق عظيم لا يمكن للإنسان أن يعيش بدونه، فالشاعر يرى أن الحياء يعصم صاحبه ويحميه كما يحمي قشر الشجر أغصانه؛ فإن زالت القشور مات الغصن، وهكذا يكون حال الإنسان، وجاء به الشاعر في صورة التشبيه الضمني، الذي لا يُصرح به بل يُفهم من مضمون الكلام.

    ثم في البيت الثاني ذهب الشافعي ـ رحمه الله ـ إلى معنى تأثر فيه بحديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه البخاري عن أبي مسعود البدري ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت) وليس الأمر هنا في الحديث إلا على سبيل الذم والنهي، وهو كما يرى بعض العلماء أنه أمر بمعنى التهديد والوعيد.

3ـ الرضا بالقضاء والقدر

دَعِ الأَيَّـــامَ تَفْعَل مَا تَشَــــــــاءُ  
      

        وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ

وَلا تَجْـــــزَعْ لنازلة الليــــالي   
     

       فمـــا لحوادثِ الدنيــا بقـــاءُ

وكنْ رجلاً على الأهوالِ جلداً   
     

    روشيمتكَ السماحـــة ُ والوفاءُ

  ـ في هذه الأبيات يتحدث الإمام الشافعي في معنى عظيم، معنى يحقق السعادة والراحة للمرء في هذه الدنيا، ألا وهو الرضا بقضاء الله وقدره؛ فرح به أو لم يفرح، فمهما كان القدر فهو خير دائما، والحوادث لا تنتهي أبدا، وأن يتخلق البصر عند البلاء، وأن يكون ذا أخلاق سمحة وأن يكون وفيا.

وإنْ كثرتْ عيوبكَ في البرايا    
    

     وسَركَ أَنْ يَكُونَ لَها غِطَـــاءُ

تَسَتَّرْ بِالسَّخَــــــاء فَكُـلُّ عَيْب   
    

     يغطيه كما قيلَ السَّخــــــــاءُ

ولا تر للأعــــــــادي قط ذلا   
     

     فإن شماتة الأعــــــدا بـلاء

ولا ترجُ السماحة َمن بخيـلٍ   
      

     فَما فِي النَّارِ لِلظْمآنِ مَــــاءُ

   يستمر الشافعي في تقديم نصحه لكل إنسان في هذه الدنيا قائلا له: إن كثرت ذنوبك، وأحببت أن تخفى على الآخرين فعليك بالكرم؛ فهو غطاء للعيوب، وألَّا يخضع لعدو أو يتذلل له؛ لأنه سيشمت به، وباستخدام التشبيه الضمني بروعته في البيت الأخير يقول: يجب عليه ألا يأمل الكرم من بخيل؛ لأنه لن ينال منه إلا كما ينال أهل النار عندما يطلبون الماء فلن يجدوا إلا الحميم، وهذا يذكرني ببيتي الفرزدق في رده على قصيدة جرير الموسومة بـ"الدامغة" التي هجا فيها الراعي النميري:

فَإِنَّكَ مِن هِجـــاءِ بَني نُمَير

       كَأَهلِ النارِ إِذ وَجَدوا العذابا
 

رَجَوا مِن حَرِّها أَن يَستَريحوا 

          وَقَد كانَ الصَديدُ لَهُم شَرابا  

ثم يقول الشافعي رحمه الله.

      

وَرِزْقُــكَ لَيْسَ يُنْقِصُهُ التَأَنِّي  

     وليسَ يزيدُ في الرزقِ العناءُ

وَلا حُزْنٌ يَدُومُ وَلا سُــرورٌ  
 

       ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخــــاءُ

   ثم يتطرق الشاعر في هذين البيتين إلى معانٍ جميلة أُخر، ومنها التأني والتمهل فيجب الحرص عليهما؛ فهما لن ينقصا الرزق، كذلك لايزيد العناء الرزق.

   كما أن الدنيا يوم لك ويوم عليك؛ فلا حزن دائم ولا سرور دائم ، و لا شقاء يدوم ولا رفاهية.    

وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ الْمَنَايَـا      
    

   فلا أرضٌ تقيهِ ولا سمــــــاءُ

وأرضُ الله واسعــة ً ولكن     
   

   إذا نزلَ القضا ضـاقَ الفضاءُ

دَعِ الأَيَّامَ تَغْدِرُ كُــــلَّ حِينٍ    
    

 فما يغني عن المـــوت الدواءُ

   ثم يقول الشاعر مستمرا في نصحه: إن الموت إذا أقبل فلا مفر منه رغم أن الدنيا واسعة فلا مهرب أبدا من الموت، ولا شيء يرد الموت.  

أَكْثَرَ النَّاسُ في النِّسَاءِ وَقالُوا  

   إنَّ حُبَّ النِّسَاءِ جَهْدُ الْبَــــــلاءِ

ليسَ حبُ النساءِ جهداً ولكنَ   
    

 قُرْبُ مَنْ لاَ تُحِبُّ جُهْـدُ الْبَلاءِ

   ثم يقول لقد أكثر الناس من الحديث عن النساء وقالوا إن حبهن أمر شديد البلاء، ولكن البلاء الشديد في قرب وملازمة من تكرهه، فهو ثقيل الظل من الصعب التخلص منه.   

وَاحَسْرَة ً للفتى ساعــــــــة ً 
    

          يَعِيشُهــــا بعَد أَوِدَّائِه⁽¹⁾

عمرُ الفتى لو كان في كفِّه       

         رمى به بعد أحبَّائـــهِ

1ـ أودائه: أي محبيه لأن الوديد هو المحب [معجم الرائد].

 في البيتين يتحسر الشاعر على كل إنسان يعيش ولو ساعة واحدة وحيدا بعيدا عن محبيه، فالإنسان بمن حوله، فلو كان أجله بيده واستطاع أن يضحي بعمره لَفَعَلَ بسبب بعده عنهم. 

اقـــــرأ لنــــا أيـضًـــــــــــــا
1	المثنى وما يُلحق به ـ شروط تثنية الاسم ـ إعراب المثنى ـ الملحق بالمثنى
2	الاسم الممدود ـ أنواع همزة الممدود ـ كيفية تثنية الممدود وجمعه جمعا سالما
3	الاسم المنقوص ـ إعراب المنقوص ـ تثنية المنقوص وجمعه جمعا سالما
4	الاسم المقصور ـ ما المقصور؟ ـ تثنية المقصور وجمعه جمعا سالما
5	لا النافية للجنس ـ استعمالات "لا"ـ شروط عمل لا ـ أحوال اسم لا ـ ملاحظات حول "لا"
6	أسماء الأفعال ـ أقسام أسماء الأفعال ـ إعراب أسماء الأفعال
7	أسلوب الاستثناء ـ المستثنى بإلا ـ المستثنى بـ(غير ـ سوى) ـ (خلا ـ عدا ـ حاشا)
8	أسلوب الاختصاص ـ أنواع المختص ـ إعراب المختص
9	أسلوب التعجب ـ شروط الفعل المراد التعجب منه ـ إعراب المتعجب منه
10	الامتحان الإليكتروني الشامل ـ في اللغة العربية ـ امتحان تفاعلي شامل ـ طبقا للمنهج المعدل ـ للفصل الدراسي الثاني 2020
11	إعراب أدوات الاستفهام (الجدول الرابع) " ماذا "ـ كيف تعرب أدوات الاستفهام بدون أخطاء؟
12	الامتحان الإليكتروني الأول ـ في اللغة العربية ـ للصف الأول الثانوي ـ الفصل الدراسي الثاني ـ امتحان تفاعلي شامل
13	الامتحان الإليكتروني الأول في اللغة العربية للصف الثاني الثانوي الفصل الدراسي الثاني امتحان تفاعلي شامل
14	من روائع الشعر الفصيح ـ ومضات من ديوان الإمام الشافعي (قافية الهمزة)
15	النماذج الاسترشادية لامتحانات ‏الفصل الدراسي الأول للصفين الأول والثاني الثانوي العام
16	تدريبات بلاغية شاملة طبقا للنظام الجديد2020ـ التدريب الأول
17	إعراب أدوات الاستفهام (الجدول الثالث) " ما "ـ كيف تعرب أدوات الاستفهام بدون أخطاء
18	من روائع الشعر العربي الفصيح ـ ابوالعتاهية
19	الامتحان الإليكتروني الثاني للصف الثاني الثانوي ـ امتحان تفاعلي لغة عربية ثانية ثانوي 2020
20	من ثوابت الإعراب ـ الحال ـ إعرابات ثابتة في النحو
21	الامتحان الإليكتروني الأول في اللغة العربية للصف الثاني الثانوي للفصل الدراسي الأول 2019
22	من روائع الشعر الفصيح ـ أبو القاسم الشابي ـ أفضل ما قاله شعراء العرب
23	إعراب أدوات الاستفهام (الجدول الأول) ـ كيف تعرب أدوات الاستفهام بدون أخطاء؟
24	الامتحان الإليكتروني الأول في اللغة العربية للصف الثاني الثانوي للفصل الدراسي الأول 2019
25	إعراب أدوات الاستفهام (الجدول الثاني) ـ كيف تعرب أدوات الاستفهام بدون خطأ

تعديل المقال