من روائع الشعر الفصيح
ـ الشعر العباسي
ـ أبو العلاء المعري
ـ أبو العلاء المعري
هو أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخي المعري. شاعر وفيلسوف. ولد ومات في معرة النعمان. كان نحيف الجسم، أصيب بالجدري صغيراً فعمي في السنة الرابعة من عمره. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة.
ولد المعري في معرة النعمان (في سوريا حالياً، ينتمي لعائلة بني سليمان، والتي بدورها تنتمي لقبيلة تنوخ، جده الأعظم كان أول قاضٍ في المدينة، وقد عرف بعض أعضاء عائلة بني سليمان بالشعر، فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري.[14] بدأ يقرأ الشّعرَ في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان، ثم ذهب للدراسة في حلب، وغيرها من المدن الشامية. فدرس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أهله، وفيهم القضاة والفقهاء والشعراء، وقرأ النحو في حلب على أصحاب ابن خالويه، ويدل شعره ونثره على أنه كان عالماً بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. أخذ المعري النحو وشعر المتنبي عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي. وهو أحد رواة شعر المتنبي.
كان على جانب عظيم من الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر، وسافر في أواخر سنة 398 هـ 1007م إلى بغداد فزار دور كتبها وقابل علماءها. وعاد إلى معرة النعمان سنة 400 هـ 1009م، وشرع في التأليف والتصنيف ملازماً بيته، وكان اسم كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم.
وقد كان عزم على اعتزاله الناسَ وهو في بغداد، خصوصاً بعد أن ورد إليه خبر وفاة والده، وقدد عزز فكرة ذهابه عن بغداد أنه رأى تنافس العلماء والرؤساء على الجاه، وتيقن "أن الدنيا كما هي مفطورة على الشرور والدواهي"[15] وقال ذات مرة "وأنا وحشي الغريزة، أنسي الولادة" [15]
وكتب إلى خاله أبي القاسم قبل قبيل منصرفه من بغداد "ولما فاتني المقام بحيث اخترتُ، أجمعت على انفراد يجلعني كالظبي في الكناس، ويقطع ما بيني وبين الناس إلا من وصلني الله به وصل الذراع باليد، والليلة بالغد"[16] وقال بعد اعتزاله بفترة طويلة "لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة، واجتهدت على أن أُتوفى على تسبيح الله وتحميده"
عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن. حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان.
المصدر ويكيبيديا
اخترت لك من روائع المعري ما يلي:
غَدَوتُ عَلى نَفسي أُثَرِّبُ جاهِداً
وَأَمثالَها لامَ اللَبيبُ المُثَرِّبُ
إِذا كانَ جِسمِيَ مِن تُرابٍ مَآلَهُ
إِلَيهِ فَما حَظّي بِأَنِّيَ مُترِبُ
وَما زالَتِ الدُنيا بِأَصنافِ أَلسُنٍ
تُبَيِّنُ عَن غَيرِ الجَميلِ وَتُعرِبُ
إِذا أَغرَبَت يَوماً بِرُزءٍ عَلى الفَتى
فَلَيسَت عَلى نَفسي بِما حُمَّ تُغرِبُ
وَجَرَّبتُها أُمَّ الوَليدِ لِطامِعٍ
وَيَيئِسُ مِن أُمِّ الوَليدِ المُجَرِّبُ
يَحِقُّ لِمَن يَهوى الحَياةَ بُكاؤُهُ
إِذا لاحَ قُرنُ الشَمسِ أَو حينَ تَغرُبُ
وَما نَفَسٌ إِلّا يُباعِدُ مَولِداً
وَيُدني المَنايا لِلنُفوسِ فَتَقرُبُ
فَهَل لِسُهَيلٍ في مَعَدِّكَ ناصِرٌ
إِذا أَسلَمَتهُ لِلحَوادِثِ يَعرُبُ
وَأَهدى إِلى نهجِ الهُدى مِن مَعاشِرٍ
نَواضِحُ تَسنو أَو عَوامِلُ تَكرُبُ
أَلا تَفرَقُ الأَحياءُ مِمّا بَدا لَها
وَقَد عَمَّها بِالفَجرِ أَزرَقُ مُغرَبُ
وَشَفَّ بَقاءٌ صِرتُ مِن سوءِ فِعلِهِ
أَهَشُّ إِلى المَوتِ الزُؤامِ وَأَطرَبُ
فَشِم صارِماً وَارِكُز قَناةً فَلِلردى
يَدُ هِيَ أَولى بِالحِمامِ وَأَدرَبُ
أَفَضُّ لِهاماتٍ وَأَرمى بِأَسهُمٍ
وَأَطعَنُ في قَلبِ الخَميسِ وَأَضرَبُ
أَرى مُطعِمَ الرَمسِ اللِهَمَّ خَليلَهُ
سَيَأكُلُ مِن بَعدِ الخَليلِ وَيَشرَبُ
وقال أيضًا
يا صاحِ ما أَلِفَ الإِعجابَ مِن نَفَرٍ
إِلّا وَهُم لِرُؤوسِ القَومِ أَعجابُ
ما لي أَرى المَلِكَ المَحبوبَ يَمنَعُهُ
أَن يَفعَلَ الخَيرَ مُنّاعٌ وَحُجّابُ
قَد يَنجُبُ الوَلَدُ النامي وَوالِدُهُ
فَسلٌ وَيَفسِلُ وَالآباءُ أَنجابُ
فَرَجِّبِ اللَهَ صِفراً مِن مَحارِمِهِ
فَكَم مَضَت بِكَ أَصفارٌ وَأَرجابُ
وَيَعتَري النَفسُ إِنكارٌ وَمَعرِفَةٌ
وَكُلُّ مَعنىً لَهُ نَفيٌ وَإيجابُ
وَالمَوتُ نَومٌ طَويلٌ مالَهُ أَمَدٌ
وَالنَومُ مَوتٌ قَصيرٌ فَهو مُنجابُ
وقال أيضًا
قَد أَسرَفَ الإِنسُ في الدَعوى بِجَهلِهِمُ
حَتّى اِدَّعوا أَنَّهُم لِلخَلقِ أَربابُ
إِلبابُهُم كانَ بِاللَذّاتِ مُتَّصِلاً
طولَ الحَياةِ وَما لِلقَومِ أَلبابُ
أَجرى مِنَ الخَيلِ آمالٌ أُصَرِّفُها
لَها بَحَثِّيَ تَقريبٌ وَإِخبابُ
في طاقَةِ النَفسِ أَن تُعنى بِمَنزِلِها
حَتّى يُجافَ عَلَيها لِلثَرى بابُ
فَاِجعَل نِساءَكَ إِن أُعطيتَ مَقدِرَةً
كَذاكَ وَاِحذَر فَلِلمِقدارِ أَسبابُ
وَكَم خَنَت مِن هَجولٍ حُجِّبَت وَوَفَت
مِن حُرَّةٍ ما لَها في العينِ جِلبابُ
أَذىً مِنَ الدَهرِ مَشفوعٌ لَنا بِأَذىً
هَذا المَحَلُّ بِما تَخشاهُ مِربابُ
يَزورُنا الخَيرُ غِبّاً أَو يُجانِبُنا
فَهَل لِما يَكرَهُ الإِنسانُ إِغبابُ
وَقَد أَساءَ رِجالٌ أَحسَنوا فَقُلوا
وَأَجمَلوا فَإِذا الأَعداءُ أَحبابُ
فَاِنفَع أَخاكَ عَلى ضُعفٍ تُحِسُّ بِهِ
إِنَّ النَسيمَ بِنَفعِ الروحِ هَبّابُ
وقال أيضًا:
يَأتي عَلى الخَلقِ إِصباحٌ وَإِمساءُ
وَكُلُّنا لِصُروفِ الدَهرِ نَسّاءُ
وَكَم مَضى هَجَرِيٌّ أَو مُشاكِلُهُ
مِنَ المَقاوِلِ سَرّوا الناسَ أَم ساءوا
تَتوى المُلوكُ وَمِصرٌ في تَغَيُّرِهِم
مِصرٌ عَلى العَهدِ وَالأَحساءُ أَحساءُ
خَسِستِ يا أُمَّنا الدُنيا فَأُفِّ لَنا
بَنو الخسيسة أوباش أَخِسّاءُ
وَقَد نَطَقتِ بِأَصنافِ العِظاتِ لَنا
وَأَنتِ فيما يَظِنُّ القَومُ خَرساءُ
وَمن لِصَخر بنِ عَمرٍو أَنَّ جُثَّتَهُ
صَخرٌ وَخَنساءَهُ في السِربِ خَنساءُ
يَموجُ بَحرُكِ وَالأَهواءُ غالِبَةٌ
لِراكِبَيهِ فَهَل لِلسُفنِ إِرساءُ
إِذا تَعَطَّفتِ يَوماً كُنتِ قاسِيَةً
وَإِن نَظَرتِ بِعَينٍ فَهيَ شَوساءُ
إِنسٌ عَلى الأَرضِ تُدمي هامَها إِحَنٌ
مِنها إِذا دَمِيَت لِلوَحشِ أَنساءُ
فَلا تَغُرَّنكَ شُمٌّ مِن جِبالِهِمُ
وَعِزَّةٌ في زَمانِ المُلكِ قَعساءُ
نالوا قَليلاً مِنَ اللَذّاتِ وَاِرتَحَلوا
بِرَغمِهِم فَإِذا النِعماءُ بَأساءُ